الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.الفائدة الخامسة: في بيان المراد بالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن: أقول روى أحد وعشرون صحابيا حديث نزول القرآن على سبعة أحرف حتى نص أبو عبيدة على تواتره وفي مسند أبي يعلى أن عثمان رضي الله عنه قال على المنبر أذكر الله رجلا سمع النبي-صلى الله عليه وسلم- قال «إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف» لما قام فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا بذلك فقال وأنا أشهد معهم وأختلف في معناه على أقوال:أحدها- أنه من المشكل الذي لا يدري لاشتراك الحرف وفيه أن مجرد الاشتراك لا يستدعي ذلك اللهم إلا أن يكون بالنظر إلى هذا القائل.ثانيها- أن المراد التكثير لا حقيقة العدد وقد جروا على تكثير الآحاد بالسبعة والعشرات بالسبعين والمئات بسبعمائة وسر التسبيع لا يخفى وإليه جنح عياض وفيه مع عدم ظهور معناه أن حديث أبي كما رواه النسائي «أن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل أقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل أستزده حتى بلغ سبعة أحرف» ونحوه من الأحاديث لاسيما حديث أبي بكرة الذي في آخره «فنظرت إلى ميكائيل فسكت» فعلمت أنه قد انتهت العدة أقوى دليل على إرادة الانحصار بل في جمع القلة نوع إشارة إلى عدم الكثرة كما لا يخفى.ثالثها- إن المراد بها سبع قراءات وفيه أن ذلك لا يوجد في كلمة واحدة إلا نادر والقول أن كلمة تقرأ بوجه أو وجهين إلى سبع يشكل عليه ما قرئ على أكثر اللهم إلا أن يقال ورد ذلك مورد الغالب وفيه مالا يخفى حتى قال السيوطي قد ظن كثير من القوم أن المراد بها القراءات السبعة وهو جهل قبيح فتدبر.رابعها- أن المراد بها سبعة أوجه من المعاني المتفقة على ألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال وهلم وعجل وأسرع وإليه ذهب ابن عيينة وجمع وأيد برواية حتى بلغ سبعة أحرف قال كلها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب وبما حكى أن ابن مسعود أقرأ رجلا: {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم} فقال الرجل طعام الأثيم فردها عليه فلم يستقم بها لسانه فقال أتستطيع أن تقول الفاجر قال نعم قال فأفعل وفيه أن ذلك كان رخصة لعسر تلاوته بلفظ واحد على الأميين ثم نسخ وإلا لجازت روايته بالمعنى ولذهب التعبد بلفظه ولا تسع الخرق ولفات كثير من الأسرار والأحكام وهذا يستدعي نسخ الحديث وفيه بعد بل لا قائل به.خامسها- أن المراد بها كيفية النطق بالتلاوة من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإشباع ومد وقصر وتشديد وتخفيف وتليين وتحقيق وفيه أن ذلك ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى واللفظ الواحد بهذه الصفات باق على وحدته فليس فيه حينئذ جليل فائدة.سادسها- أن المراد سبعة أصناف وعليه كثيرون ثم اختلفوا في تعيينها فقيل محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ وخصوص وعموم وقصص وقيل إظهار الربوبية وإثبات الوحدانية وتعظيم الألوهية والتعبد لله ومجانبة الإشراك والترغيب في الثواب والترهيب من العقاب وقيل أمر ونهي ووعد ووعيد وإباحة وإرشاد واعتبار وقيل غير ذلك والكل محتمل بل وأضعاف أمثاله إلا أنه لا مستند له ولا وجه للتخصيص.سابعها- أن المراد سبع لغات وإليه ذهب ثعلب وأبو عبيد والأزهري وآخرون وأختاره ابن عطية وصححه البيهقي وأعترض بأن لغات العرب أكثر وأجيب بأن المراد أفصحها وهي لغة قريش وهذيل وتميم والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن كبر وأستنكره ابن قتيبة قائلا لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش بدليل: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} وعليه يلتزم كون السبع في بطون قريش وبه جزم أبو علي الأهوازي وليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل أنها مفرقة فيه ولعل بعضها أسعد من بعض وأكثر نصيبا وقيل السبع في مضر خاصة لقول عمر رضي الله عنه نزل القرآن بلغة مضر وقال بعضهم إنهم هذيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسيد بن خزيمة وقريش وقيل أنزل أولا بلسان قريش ومن جاورهم من الفصحاء ثم أبيح للعرب أن تقرأه بلغاتها دفعا للمشقة ولما كان فيهم من الحمية ولم يقع ذلك بالتشهي بل المرعى فيه السماع من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكيفية نزول القرآن على هذه السبع أن جبريل عليه السلام كان يأتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في كل عرضة بحرف إلى أن تمت قال السيوطي بعد نقل هذا القول وذكر ماله وما عليه وبعد هذا كله هو مردود بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهشام بن حكيم كلاهما قرشي من لغة واحدة وقبيلة واحدة وقد اختلفت قراءتهما ومحال أن ينكر عليه عمر لغته فدل على أن المراد بالأحرف السبعة غير اللغات انتهى ويا ليت شعري أدعى أحد من المسلمين أن معنى إنزال القرآن على هذه السبع من لغات هؤلاء العرب أنه أنزل كيفما كان وأنهم هم الذين هذبوه بلغاتهم ورشحوه بكلماتهم بعد الأذن لهم بذلك فإذا لا تختلف أهل قبيلة واحدة في كلمة ولا يتنازع اثنان منهم فيها أبدا أم أن الله تعالى شأنه ظهر كلامه في مرايا هذه اللغات على حسب ما فيها من المزايا والنكات فنزل بها وحيه وأداها نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم ووعاها أصحابه فكم صحابي هو من قبيلة وعى كلمة نزلت بلغة قبيلة أخرى وكلاهما من السبع وليس له أن يغير ما وعى بل كثيرا ما يختلف صحابيان من قبيلة في الرواية عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكل من روايتيهما على غير لغتهما كل ذلك إتباعا لما أنزل الله تعالى وتسليما لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ينفي صحابي غير روايته وبنكر رواية غيره وكل ذلك يدل على أن مرجع السبع الرواية لا الدراية فرد الإمام السيوطي لا أدري ماذا أرد منه وما الذي أسكت عنه فها هو بين يديك فأعمل ما شئت فيه وسلام الله تعالى عليك ومما ذكرناه علمت أن القلب يميل إلى هذا السابع فأفهم وقد حققنا بعض الكلام في هذا المقام في كتابنا الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية فأرجع إليه إن أردته والله سبحانه وتعالى أعلم..الفائدة السادسة: في جمع القرآن وترتيبه: اعلم أن القرآن جمع أولا بحضرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقد أخرج الحاكم بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال «كنا عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم نؤلف القرآن في الرقاع وثانيا بحضرة أبي بكر رضي الله تعالى عنه» فقد أخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت أيضا قال أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر إن عمر أتاني فقال إن القتل قد أستحر بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت لعمر كيف نفعل شيئا يفعله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال عمر هذا والله خير فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت الذي رأى عمر قال زيد قال أبو بكر إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فنتبع القرآن فأجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لقد جاءكم رسول} حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله تعالى ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر وأخرج ابن أبي داؤد بسند رجاله ثقات مع انقطاع أن أبا بكر قال لعمر وزيد مع أنه كان حافظا أقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه ولعل الغرض من الشاهدين أن يشهدا على أن ذلك كتب بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أو على أنه مما عرض عليه صلى الله تعالى عليه وسلم عام وفاته وإنما أكتفوا في آية التوبة بشهادة خزيمة لأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين والقول بأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتابة مما لا حجار له وما شاع أن عليا كرم الله وجهه لما توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تخلف لجمعه فبعض طرقه ضعيف وبعضها موضوع وما صح فمحمول كما قيل على الجمع في الصدر وقيل كان جمعا بصورة أخرى لغرض آخر ويؤيده أنه قد كتب فيه الناسخ والمنسوخ فهو ككتاب علم وقد أخرج ابن أبي داؤد بسند حسن عن عبد خير قال سمعت عليا يقول أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رضي الله تعالى عنه رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله أي على الوجه الذي تقدم فلا ينافي ما في مختصر القرماني أن أول من جمعه عمر رضي الله تعالى عنه وما روى عن أبي بريدة أنه قال أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه فهو مع غرابته وانقطاعه محمول على أنه أحد الجامعين بأمر أبي بكر رضي الله تعالى عنه قاله الإمام السيوطي وهي عثرة منه لا يقال لصاحبها لعا لأن سالما هذا قتل في وقعة اليمامة كما يدل عليه كلام الحافظ ابن حجر في إصابته ونص عليه السيوطي نفسه في إتقانه بعد هذا المبحث بأوراق ولا شك أن الأمر بالجمع وقع من الصديق بعد تلك الوقعة وهي التي كانت سببا له كما يدل عليه حديث البخاري الذي قدمناه فسبحان من لا ينسى وما أشتهر أن جامعه عثمان فهو على ظاهره باطل لأنه رضي الله تعالى عنه إنما حمل الناس في سنة خمس وعشرين على القراءة بوجه واحد باختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة من اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات فقد روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليماني قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وآذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرأت
|